160
في 26 من شهر ذي الحجة، كان يؤم أمير المؤمنين، جموع المسلمين لصلاة الفجر، حتى جاؤه “أبو لؤلؤة المجوسي”، أحد أتباع الفرس الذين كانوا يكنون للدولة الإسلامية الحقد والكراهية، وقام بطعنه من الخلف ست طعنات، فسالت الدماء من جروحه المتعددة، واستشهد في مسجد المدينة المنورة.
تلك هي الرواية الأشهر لوفاة سيدنا عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد صل الله عليه وسلم، الذي عاش حياته رمزًا للعطاء والكرم، حتى اشتهرت عليه مقولة: “إن سألوك عن العدل قل مات عمر”.. وفي التقرير التالي وتزامنًا مع ذكرى استشهاده نرصد مواقف ومقطتفات أُجمع عليها من حياة “الخطاب”.
“أذل نفسي”
كان سيدنا “بن الخطاب” متواضعًا مُحاسبًا دومًا لنفسه، فقد ذُكر عن “عروة بن الزبير” أحد مؤرخي الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، أنه رأى أمير المؤمنين يحمل على عاتقه قربه ماء، فقال له: “يا أمير المؤمنين، لا ينبغبي لك هذا”، فرد رمز العدل قائلًا: “لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة؛ فأردت أن أكسرها”، وفي رواية أخرى: “إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها”.
“الخبز والزيت”
ولم يكن “الخطاب” يعطي لنفسه امتيازات لكونه أمير المؤمنين غير التي يأخذها المسلون، فقد كان في عام الرمادة، الذي أصيب فيه المسلمين بالقحط و الجوع، لا يأكل إلا الخبز والزيت حتى أسود جلده ويقول: “بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع”، وكان يحدث بطنه قائلًا: “قرقري أو لا تقرقري، لن تذوقي اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين”.
“نفقة المولود”
وقيل عن عمر، أنه حين نزل رفقة من التجار إلى المدينة المنورة، طلب من الصحابي “عبدالرحمن بن عوف”، أن يحرسهم، فسمع “الخطاب”، بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: “أتقي الله تعالى وأحسني إلى صبيك”، ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها نفس الحديث، ثم عاد مكانه فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي فأتى إلى أمه فقال لها: “ويحك إنك أم سوء مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة من البكاء؟”.
فقالت: “يا عبد الله -وهي لا تعلم أنه عمر بن الخطاب- أني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك”، قال: “ولم؟”، فردت عليه: “لأن عمر لا يفرض النفقة إلا للمفطوم”، فرد أمير المؤمنين: “بؤسًا لعمركم قتل من أولاد المسلمين”، ثم أمر مناديه فنادى لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، وفرض نفقة لكل مولود في الإسلام.
“خوفًا على البعير”
وقيل عن “علي بن أبي طالب” رضي الله عنه، أنه رأى سيدنا “عمر” وهو يعدو إلى خارج المدينة، فقال له: “إلى أين يا أمير المؤمنين؟”، فرد عليه: “قد ند بعير -أي هرب- من أبل الصدقة فأنا أطلبه”، فقال علي: “قد أتعبت الخلفاء من بعدك يا عمر”، فرد الأخير عليه: “لو أن بغلة تعثرت في العراق لسُئل عنها عمر لما لم تمهد لها الطريق؟”.
“أردب القمح”
وعن “أسلم مولى” -أحد أشهر رواه الحديث-، قال أنه خرج في ليلة مع سيدنا “عمر”، إلى مكان ممتلئ بالصخور، وأقاموا فيه حتى وجدوا امرأة وصبيانها يشعلون النار، فقال لهم أمير المؤمنين: “السلام عليكم يا أصحاب الضوء.. ما بالكم؟”.
قالت المرأة: “قصر بنا الليل والبرد”، فرد عمر: “فما بال هؤلاء الصبية يبكون؟”، قالت: “من الجوع”، فقال: “وأي شئ على النار”، قالت: “ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر”، فبكى الأخير ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج دقيق كثيرًا وشحم.
وقال: “يا أسلم أحمله على ظهري”، فرد: “أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين”، فقال: “أأنت تحمل وزري عني يوم القيامة؟”، فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة، فوضع الدقيق في القدر وألقى عليه من الشحم وجعل ينفخ تحت القدر، حتى استوت وأعطاها للصغار، ثم أوصى لهم بنفقة.
“أبو بكر الصديق”
وتتجلى شدة تواضعه في تلك الرواية، فعن “جبير بن نفير”، -أحد المسلمين الكبار-، أن نفرًا قالوا لأمير المؤمنين: “ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول للحق ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله”.
فقال “عوف بن مالك” -أحد جنود المسلمين ممن شهدوا فتح مكة-: “كذبتم والله، لقد رأينا بعد رسول الله”، فقالوا: “من هو”، فرد: “أبو بكر”، فقال عمر: “صدق عوف وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي”، وذلك لأن أبا بكر أسلم قبله بـ6 سنوات.
“مرض عمر”
وحين مرض عمر، رضي الله عنه يومًا وصفوا له العسل كدواء، وكان بيت المال به عسلًا جاء من البلاد المفتوحة، فلم يتداوى به أمير المؤمنين، إلا بعد أن جمع وصعد المنبر واستأذن منهم قائلًا: “لن استخدمه إلا إذا أذنتم لي، وإلا فهو علي حرام”، فبكت الجموع اشفاقًا عليه وأذنوا له.
“زوجة عمر”
ويروى أن زوجة عمر بن الخطاب، دخلت عليه عقب توليه الخلافة فوجدته يبكي، فقالت له: “هل شيء حدث؟”، فقال: “لقد توليت أمر أمة محمد، ففكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهول والمقهور والمظلوم والغريب والأسير والشيخ الكبير، وعرفت أن ربي سيسألني عنهم جميعًا فخشيت فبكيت”.
0%